السلوكيات الادمانية
عند طرحنا للأهداف المتعلقة بتلك الجلسة ،فإننا وضعنا نصب أعيننا أننا فى حاجة إلى مساعدة مريض الإدمان على أن يتوقف عن ممارسة أى سلوك كان يقترن لديه بتعاطى المخدر،وأن الهدف من تلك الخطوة لم يكن بالأساس هو تعديل تلك السلوكيات بهدف أخلاقي أى بوصفها سلوكيات غير أخلاقية، وإنما كان الهدف الأساسى من رغبتنا الملحة فى توقف المريض عن ممارسة تلك السلوكيات هو أن تلك السلوكيات تقترن اقترانا شرطيا بالمخدر، وهذا يعنى أننا هنا نرغب أولا فى حماية المريض من الانتكاس، قبل أن يكون هدفنا أن نكسبه قيما أخلاقية،بمعنى أدق إن استمرار المريض فى ممارسة تلك السلوكيات خلال مرحلة التعافى قد يتسبب فى شعوره باللهفة تجاه التعاطى ،ومن ثم الاقتراب من خطر الانتكاس،والتساؤل الذى يطرح نفسه الآن هو.. إنه من الطبيعى أن يشعر مريض الإدمان باللهفة على المخدر عندما يتعرض إلى المخدر نفسه ،أو عندما يتعرض إلى أى من المثيرات الشرطية التى تقترن به مثل الأشخاص والأماكن والأشياء والأدوات والأصوات والأزمنة والروائح، تلك المثيرات التى من شأنها أن تكون سببا رئيسيا فى شعور المريض باللهفة حين التعرض لها، ولكن هل من الطبيعى أن يشعر المريض باللهفة لمجرد أنه مارس سلوكا كان يمارسه أثناء تعاطيه للمخدر؟ هل يمكن لمجرد سلوك كان قد اقترن بتعاطى المخدر أن يكتسب هذا السلوك نفس خصائص هذا المخدر ويشعر المريض باللهفة عند ممارسته وكأنه تعرض إلى المخدر نفسه؟والإجابة على هذا التساؤل قولا واحدا هى (نعم)..
والدليل على ذلك أنه إذا استعدنا نظرية بافلوف للاقتران الشرطى، سوف نكتشف أن الأساس الذى قامت عليه تلك النظرية هو أنه إذا اقترن أحد المثيرات بمثير طبيعي لفترة من الوقت، نتوقع أن تكون الاستجابة للمثيرين واحدة،.ويتجلى ظهور ذلك فى التجربة التى أجراها بافلوف على الكلب ،حيث توصل إلى المعادلة التالية..
المثير الطبيعى (الطعام) الاستجابة الطبيعية ( سيل لعاب الكلب)
المثير الذى ارتبط بالمثير الطبيعى الاستجابة الشرطية (سيل لعاب الكلب )
” لاحظ أنها نفس الاستجابة“
وهذا يعنى أن الكلب الذى أجرى عليه التجربة قد استجاب بسيل اللعاب عند رؤيته لصحن فارغ لمجرد أن هذا الصحن كان يوضع بداخله الطعام،وهذا يعنى أنه إذا اقترن مثير شرطي بمثير طبيعي يتسبب هذا فى صدور نفس الاستجابة، وهى سيل اللعاب كما فى المثال السابق،،
والمثير الشرطى الذى نحن بصدد عرضه فى تلك الجلسة هو (السلوكيات الإدمانية) ويقصد بها مجموعة من السلوكيات التى كان يمارسها المريض أثناء مرحلة الإدمان،مما أكسب تلك السلوكيات صفة المثير الشرطى الذى اكتسب بدوره نفس خصائص المثير الطبيعى،
وهذا يعنى أن السلوكيات الإدمانية فى حالتنا هذه سيكون لها نفس تأثير المخدر، وكذلك نفس تأثير المثيرات الشرطية الأخرى كالأشخاص والأماكن والأشياء … إلخ، وهذا يعنى فى النهاية أن المريض عندما يمارس أى سلوك من تلك السلوكيات الإدمانية خلال مرحلة التعافى، فإنه من الممكن أن يشعر باللهفة على تعاطى المخدر، وكأنه تعرض إلى المخدر نفسه.
لذلك فإن المساعدة الحقيقية التى يمكن أن نقدمها للمريض خلال تلك الجلسة هو مساعدته أولا على الكشف عن تلك السلوكيات، ثم مساعدته على كيفية التخلص منها، ثم تعديلها إلى سلوكيات إيجابية تساعد المريض على تحقيق الاستمرارية فى التعافى، وسنعرض الآن لأهم السلوكيات الإدمانية، وذلك على النحو التالى:
سنعرض الان لأحد السلوكيات الادمانية من مجموعة السلوكيات الادمانية التى تم طرحها فى كتاب بوابة التعافى من الادمان
:أولا.. سلوك الكذب
يعد سلوك الكذب من أكثر السلوكيات الإدمانية شيوعا التى يمارسها المريض خلال مرحلة الإدمان ،ففى البداية كان المريض يمارس سلوك الكذب لكى يستفيد منه فى الحصول على منفعة خاصة، فعندما يرتكب المريض سلوكا مشينا ،فإذا واجهه شخص آخر بهذا السلوك المشين، فإنه يلجأ إلى الكذب لإنقاذ نفسه من العقاب المترتب على ارتكابه لمثل هذا السلوك.
مثال .. إن الطريقة التى يمارس بها مريض الإدمان حياته الشخصية المتمثلة فى نمط أسلوب حياته، فإن هذا النمط يجعله يرتكب العديد من الأخطاء، فعلى سبيل المثال: فإنه من المعروف أنه من بين أنماط حياة مريض الإدمان هو أنه دائم الانطلاق خارج حدود المنزل، ونادر التواجد فى المنزل، ولا يشارك فى العديد من المناسبات الخاصة بأسرته نتيجة انشغاله بحياة التعاطى، وبناء عليه فإن الأسئلة التى دائما ما توجه إليه من قبل أفراد أسرته هى .. أين كنت؟وماذا كنت تفعل؟ ولماذا تأخرت عن الموعد المحدد لعودتك إلى المنزل؟وغيرها من الأسئلة العادية التى تسألها الأسر لأبنائها،إلا أن ما يمارسه المريض خارج نطاق المنزل من تعاطٍ للمخدر وضياع معظم وقته فى البحث عن المخدر وأصدقاء التعاطى والأموال التى يستطيع عن طريقها شراء المخدر، فإن تلك السلوكيات يقابلها أسئلة من أسرته مثل التى ذكرناها من قبل ،وبناء عليه يلجأ المريض إلى الكذب على أسرته ،ويدعى أسبابا غير حقيقية للرد على هذه التساؤلات للهروب من العقاب المتوقع من قبل أسرته فيظل يكذب ويكذب، إلى أن يصبح الكذب جزءًا أصيلا من نمط حياة المريض،فنجده فى بعض الأحيان يكذب حتى فى بعض المواقف التى لا تتطلب الكذب نهائيا، وبالرغم من ذلك فإنه يظل يمارس سلوك الكذب على الرغم من أنه لو تحدث الصدق فى تلك المواقف فإنه لن يتضرر، ولكنه يكذب هنا بشكل لا إرادي لأن الكذب هنا لم يعد سلوكا يستفيد منه،ولكنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من نمط حياة مريض الإدمان،إلى أن يصل الأمر أنه أصبح يكذب حتى على نفسه وهنا يتحول سلوك الكذب إلى ما يسمى بميكانيزم الإنكار، ولعل هذا يقودنا إلى أهمية فهم الفارق بين الكذب والإنكار وهو باختصار،أن الكذب هو خداع للآخر .. أما الإنكار فهو خداع الذات.
المراجع
محمد كمال عبدالله (2017) بوابة التعافى من الادمان، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة ، مصر.