هل الإدمان مرض مزمن؟
حيث ترى بعض المدارس العلاجية أن (الإدمان مرض مزمن وأنه مرض لا شفاء نهائى منه ولكن يمكن السيطرة عليه).
ووفقا لتلك المدارس العلاجية، فإنه يفهم للكثير من متابعيها أنها تصنف الإدمان، وكأنه مرض لا يمكن علاجه. نتيجة أنه مرض مزمن. وأن المريض به معرض للانتكاس فى أى وقت.
ومن هنا فإن المريض سوف يأتى للعلاج، وهو على يقين أنه يعانى من مرض لا شفاء منه، وأنه قد جاء للعلاج، فقط لكى يثبت لنفسه ولأسرته أنه قد قام بمحاولة علاجية، ولكنها حتما سوف تفشل بمعنى أنه قام بعمل المطلوب منه وأنه لا يتحمل أى مسئولية وبالتالى سيسيطر عليه ميكانيزم التبرير، الذى سوف يستخدمه فى تبرير رفضه استكمال العلاج ،بدعوى أنه لا داعى أساسا من العلاج طالما أن هذا الإدمان مرض لا شفاء منه.
وبالطبع فإن تلك المدارس العلاجية التى تنتهج هذا النهج فى وصف مرض الإدمان، فهى عن غير قصد تضع الانتكاس لمريض الإدمان على طبق من ذهب، فبمجرد أن ينطق أمام المريض أن الإدمان مرض مزمن لا شفاء نهائى منه، فإنه سريعا ما سيلتقط تلك الجملة لاستغلالها باستخدام ميكانيزم التبرير على مرحلتين.
الأولى. لتبرير عدم رغبته فى الاستمرار فى برنامج التعافى. والثانية. لتبرير انتكاسته فيما بعد.
وللخروج من هذا المأزق علينا أن نطرح هذا التساؤل.. هل الإدمان حقًا مرض مزمن؟
الإجابة قولًا واحدًا .. الإدمان بالفعل مرض مزمن قابل للانتكاس، ولكن يجب أن نتوقف أمام هذا التعريف طويلا لكى نشعر بالخزى من أنفسنا فى أننا ننقل عن الآخرين دون أن نفهم، فلو كلف أى شخص نفسه بعضا من وقته،وتأمل قليلا سوف يكتشف أن كل الأمراض والاضطرابات منذ بدء الخليقة كلها أمراض مزمنة وقابلة للانتكاس باستثناء مرضين فقط ،وهما مرضى (الحصبة والجديرى المائى)،فهما المرضان الوحيدان اللذان يصاب بهما الإنسان مرة واحدة فى العمر ولا يمكن أن يصاب بهما مرة أخرى وهذا يعنى أن بقية الأمراض الأخرى بما فيها الإدمان هى أمراض مزمنة وقابلة للانتكاس.
وهذا يعنى أن كل الأمراض فى طبيعتها هى بالأساس أمراض مزمنة بمعنى أن الإنسان عندما يصاب بأى مرض ثم يعالج منه ويشفى منه تمامًا فإنه معرض أن يصاب بنفس المرض مرة أخرى ماعدا المرضين اللذين تحدثنا عنهما سلفا، وهما مرضى الحصبة والجديرى المائى.
مثال.. إذا قام شخص بالذهاب إلى أحد المطاعم لتناول وجبة العشاء، وقدم له المطعم طعاما فاسدًا وأصيب بتسمم فى المعدة تم نقله على أثرها إلى المستشفى لإجراء عملية غسيل المعدة لتخليصها من التسمم، وبالفعل تمت تلك العملية، وشفى تماماً من هذا التسمم، وخرج من المستشفى ليمارس حياته الطبيعية ولابد أن نركز هنا أن هذا المريض شفى تماما من حالة التسمم التى انتابته نتيجة تناوله لأحد الأطعمة الفاسدة، ثم بعد سنتين تقريبا ذهب إلى أحد المطاعم لتناول وجبة العشاء وقدم له المطعم طعاما فاسدا فإنه بالطبع سوف يصاب (مرة أخرى) بالتسمم فى المعدة وسيحتاج مرة أخرى إلى إجراء عملية غسيل للمعدة للتخلص من السموم حتى يشفى مرة أخرى،إذن فإن ما حدث مع هذا الشخص يعنى أن مرض التسمم فى المعدة هو مرض مزمن قابل للانتكاس، وذلك لأن هذا الشخص أصيب به مرة من قبل وبعد أن شفى منه تمامًا تعرض للانتكاس (مرة أخرى) وأصيب بنفس المرض،وإذا ذهبت لتشترى كتابا طبيا يشرح مرض التسمم فى المعدة يستحيل أن تجد له تعريفا يقول بأنه مرض مزمن قابل للانتكاس. على الرغم أنه بالفعل مرض مزمن وقابل للانتكاس، شأنه شأن كل الأمراض والاضطرابات.ولعل عدم ذكر أي من الكتب العلمية والطبية فى توصيفها للأمراض والاضطرابات بأنها أمراض مزمنة وقابلة للانتكاس، قد يرجع إلى أنها أمور بديهية لا تستحق حتى وصفها أو تضييع الوقت فى شرحها، فكل الأمراض مزمنة قابلة للانتكاس هو أمر بديهي لا يحتاج حتى إلى ضياع تكلفة الحبر الذى سيكتب به تلك الجملة،وفى نفس الوقت هل يمكن لأى عالم أو طبيب أن يضمن لأى إنسان، أنه إذا أصيب بمرض ما ثم شفى منه تماما أنه لن يصاب بهذا المرض مرة أخرى. الإجابة قولًا واحدًا هى( لا ).إذن فإن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس هى : أى إنسان معرض للإصابة بأى مرض وعندما يشفى منه نهائيًا، فإنه معرض للإصابة به مرة أخرى وهذا يعنى أن كل الأمراض مزمنة وقابلة للانتكاس ماعدا المرضين السابق ذكرهما.فإذا كانت تلك هى الحقيقة التى لا تقبل الشك .. فلماذا التركيز على أن الإدمان هو المرض الوحيد الذى يتصف بأنه مرض مزمن وقابل للانتكاس ،ومن هو المستفيد من أن يبقى هذا الخطأ الشائع هو القاعدة الأساسية، التى يبنى عليها فهم مريض الإدمان لطبيعة مرضه فكم تسبب هذا (التعريف العقيم ) للإدمان فى عدم اتخاذ آلاف من مرضى الإدمان لقرار التعافى حتى كتابة هذه السطور، وكم تسبب فى إحباط ملايين المرضى بأن مرضهم لا شفاء منه.
نحن فى (The gate) نؤمن أن الإدمان مرض شأنه شأن كل الأمراض له أعراض، وله تشخيص وله علاج.كما نؤمن أنه مرض قابل للانتكاس والدليل على ذلك أننا أفردنا جزءًا كبيرا من (The gate) فى مساعدة مريض الإدمان على التعرف على كل العوامل، التى يمكن أن تتسبب فى حدوث الانتكاس إلى التعاطى مرة أخرى، وأوصينا بضرورة تدريب المريض على آليات مواجهتها والتعامل معها إيمانا منا أن مساعدة المريض على تحقيق ذلك سوف يساعده على تحقيق الاستمرارية فى التعافى مدى الحياة،ولكن توصيل المعنى بأن الإدمان مرض مزمن قابل للانتكاس، كما فى بعض البرامج الأخرى من شأنه أن يجعل المريض يستغل هذا التعريف للإدمان لتبرير انتكاسته.كانت مقدمة طويلة بعض الشيء، ولكنها كانت ضرورية ولابد منها حتى توضع النقاط على الحروف عند استخدامنا لبرنامج (The gate) والتقيد بالمبادئ التى قام عليها.وسنتناول الآن كيفية مساعدة مريض الإدمان على تقبل طبيعة مرضه وكذلك مدى أهمية أن يعى المريض أن التغيير الذى يكتسبه خلال مرحلة التعافى من اكتساب مبادئ أخلاقية وقيم إيجابية واكتساب مهارات متعددة كلها يفتقدها الفرد السوى، وبالتالى يمكنه الاستفادة من مرضه.. وهدفنا من تلك الجلسة أن يخرج المريض منها وهو على قناعة أن التعافى من الإدمان نعمة وليس نقمة، وأن المدمن المتعافى يصبح فيما بعد أكثر نضجًا ووعيًا من الأسوياء الذين لم يتعاطوا أى مخدر من قبل.